» بتكوين جامعي ورياضي وعسكري وبمسيرة مهنيّة مسخّرة لخدمة الوطن والدفاع عن حرمته » يتخرّج تلامذة الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد، وفق العميد شهاب خليفة ٱمر الأكاديمية.
ومن المنتظر أن يشهد شهر جويلية القادم تخرّج دورة « محمد المنصف باي » المتحصّلين على شهادة ماجستير مهني في العلوم العسكرية وشهادة ماجستير بحث في العلوم القانونية والتصرّف والشهادة الوطنية لمهندس، وهي الدورة 54 في تاريخ الأكاديمية العسكرية.
وتأسست الأكاديمّية، الواقعة بفندق الجديد على مسافة 30 كلم جنوب شرق العاصمة، في 24 ديسمبر 1966، فيما فتحت أبوابها لأول مرة يوم 8 فيفري 1967 ووقع تدشينها بصفة رسميّة يوم 21 ديسمبر من العام نفسه.
يباشر التلامذة الضبّاط مهامهم وينطلقون في نحت مسيرتهم بعقد تطوّعي أساسه « التطوّع بالحياة » متشبّعون بكلمات مستمدّة من البيت الشعري لأحمد شوقي يقول فيها » قف دون رأيك في الحياة مجاهدا .. إن الحياة عقيدة وجهاد » .
يقول العميد خليفة بهذه الكلمات » الحياة عقيدة وجهاد « ، التي ترسّخ الانتماء، وهي شعار الأكاديمية على جانب السيف رمز الاستقامة وغصن الزيتون رمز السلامة، يتمّ تأهيل التلاميذ والعمل على التشبّع بالضوابط والقيم ليكونوا على مستوى من الحرفية والقدرة العسكريّة.
ويتابع » من لا نرى فيه اقتناع بحياة الأكاديمية وتشبّعا بفكرها وعقيدتها ولا رغبة له بالمواصلة نتركه يرحل ونأمل منه فقط أن يكون مواطنا صالحا وينفع وطنه أينما كان »، مضيفا قوله إنّ » الظروف قادرة على أن تجمع العسكري بالمواطن لخدمة الوطن على غرار ما وقع في ملحمة بن قردان « . وتمتدّ مدّة التكوين بالأكاديمية العسكريّة خمس سنوات تختتم بشهادة وطنيّة ماجستير في العلوم العسكرية أو العلوم القانونية والتصرّف أو في الهندسة وهو تكوين يشمل بالأساس الجامعي البدني.
ويتوزّع التلاميذ بالأكاديمية إلى 93 بالمائة من الذكور و7 بالمائة من الإناث، وفق آمر الأكاديمية، الذي لا ينفي أنّ نسبة إقبال الإناث ضعيفة، غير أنه ذكر بأنّ تونس كانت رائدة في هذا الشأن وجيشها سبق عدة جيوش من خلال استقبال أوّل تلميذة بالأكاديمية سنة 1974.
عن بداية التّواجد العسكري بالمنطقة التي أقيمت بها الأكاديمية، يقول العميد شهاب خليفة إنّه انطلق عام 1889 عندما تمكن جنرال فرنسي من الأراضي الموجودة بهذه المنطقة وأقام بها ضيعة فلاحية، مضيفا أنه في عام 1899 قررت السلطات الفرنسية تركيز وحدة عسكرية للسيطرة على الوطن القبلي، قبل أن تحل محلها عام 1904 تشكيلة جديدة كانت متمركزة في قابس لمجابهة التمدّد الإيطالي في اتجاه تونس.وفي حديثه يستعرض العميد لوحة عمرها 125 سنة وأخرى عمرها 120 سنة، وقال إنّها لوحات تخلّد مرور الوحدات العسكريّة بالمنطقة.
وتابع قوله إنّ المكان استعمل لاحقا كمعتقل للمناضلين والمقاومين ممّن قاوموا الاستعمار خاصّة من أبناء الحركة المسلّحة (1952-1954) وكذلك لإعدامهم على غرار الدكتور الصادق مقدّم. وأوضح أنه لم يقع التخلي عن هذه المباني، التي كانت موجودة منذ فترة الاستعمار، لاستحضار البعدين التاريخي والرمزي للمكان لدى التلاميذ الجدد وترسيخ روح المواطنة لديهم.
ويضيف أنّه جرى استغلال الثكنة سنة 1958 كمدرسة ضبّاط صف، التي انتقلت لاحقا إلى ولاية بنزرت، مبيّنا أنّه في فترة ما بعد الاستقلال كان تكوين الضباط يتمّ بالخارج، لما يتطلبه من إمكانيات ومؤطرين ومدرسين، على غرار عدّة أسلاك أخرى، لكنه أصبح لاحقا تونسيا مائة بالمائة. تعتبر الأكاديمية العسكرية، وفق العميد خليفة، أول مؤسسة تكوينية عسكرية عليا يقع إحداثها في عهد الاستقلال، فاتحة بذلك المجال لهياكل تكوين أخرى وواضعة حدا لتبعية القوات المسلحة في مجال تكوين الضباط.
وتعنى الأكاديمية بتكوين الضبّاط لفائدة وزارة الدفاع الوطني ووزراة الداخلية، في سلكي الحرس الوطني والحماية المدنيّة، ووزارة العدل، في سلك السجون والإصلاح، ووزارة المالية، في سلك الديوانة، إضافة إلى تكوين ضبّاط لفائدة دول شقيقة وصديقة، مشيرا إلى وجود تعاون مع أكاديميات أجنبية في مشاريع ختم الدروس أو في إنجاز بحوث تطبيقية.
وفي هذا الصدد، يؤكد أنّ الأكاديمية بصدد تكوين 35 تلميذا أجنبيّا، يتوزّعون بين 19 تلميذا من إفريقيا الوسطى و9 تلاميذ من الكوت ديفوار و4 تلاميذ من موريتانيا وتلميذين إثنين من النيجر 2 وتلميذ من البينين.
ويبرز آمر الأكاديمية العميد شهاب خليفة أنّ العمل على التكوين المعنوي والوطني والعسكري يأخذ حيزا هامّا لجعل شعار التلميذ المواطن الذي أراد الانتماء الى القوات المسلحة والقوات الحاملة للسلاح « الحياة عقيد وجهاد »، وتجسيد ذلك عبر عدّة آليات للتدريب على غرار التدريب العسكري العام (القوانين، التراتيب والاجراءات) والعملياتي والفني ( كيفية القيام بالمهام القتالية على الميدان من رمي وقتل) والبدني ورياضي.
ويؤكّد أهمية أن يكون التكوين متكاملا وشاملا ومواكبا للتكنولوجيا المتطوّرة ويراعي هوايات التلاميذ عبر توفير أنشطة محلية (إذاعة محلية ، نادي موسيقى، نادي الشعر، نشرية الأكاديمية ) إلى جانب توفير مكتبة تضمّ 31 ألف عنوان.
وتحصّلت الأكاديمية العسكريّة السنة الماضية على شهادة مطابقة الجودة » إيزو 9001 » ويغطّي هذا النظام تخطيط وإنجاز وتقييم التعليم الجامعي للضبّاط التلامذة والتلامذة الضبّاط.
« ما بين جيل وجيل يتجدّد الولاء للوطن وبعقيدة راسخة يتواصل رفع العلم »، بهذه الكلمات أكّد العميد شهاب خليفة أنّ المسيرة متواصلة وأن الأكاديمية ستظلّ مكانا لصناعة « الأبطال »، وقال إنّ ما يربط هؤلاء بالوطن هو عقد معنوي وأخلاقي قبل أن يكون قانوني بنوده التطوّع بالحياة.
وعن بعض الأسلاك كالأطباء والصيادلة والبياطرة والقضاة، يؤكّد المتحدّث أنّه يقع انتدابهم من الحياة المدنية في إطار مناظرة، إلا أن تكوينهم الأساسي يتم بالأكاديمية العسكرية باعتبارهم ضبّاط، مبينا أن الخصوصية تكمن في تقدّم صفته العسكرية عن مهنته على غرار « الرائد قاضي » و »النقيب طبيب » و »العقيد صيدلي ».
وتابع أنّ وزارة الدفاع تنتدب حسب احتياجاتها والأكاديمية تقدّم تكوينا أساسيّا لجعل المدنيين عسكريين وضبّاطا يقومون بمهامهم حسب الاختصاص.
وشهدت الأكاديمية توسعة أولى عام 1979 دون التخلّي عن المباني القديمة، وأخرى انطلقت كمشروع عام 2018، فيها مبنى تعليم جامعي جديد بطاقة استيعاب 1500 تلميذ (طاقة استيعاب في قاعات الدروس دون اعتبار المخابر والفضاءات الأخرى)، تم إنشاؤه في إطار تعاون تونسي ألماني وتدشينه في 28 اكتوبر 2022.