قانون منع المناولة: خطوة أخرى على طريق الدولة الاجتماعية

بقلم د. بدر السماوي
مثّل قانون تنظيم عقود الشغل ومنع المناولة بمبادرة من رئيس الجمهورية قيس سعيّد وصادق عليه مجلس نواب الشعب فجر 21 ماي 2025 إنجازا اجتماعيا هامّا تعرفه تونس لأول مرة في تاريخها يساهم في القضاء على التشغيل الهش بعد تسوية الوضعية القانونية لعملة الحضائر والمعلمين والأساتذة النواب وفئات أخرى. كما أدى إلى فتح ملفات فئات أخرى تعاني من البطالة وفي مقدمتهم أصحاب الشهادات العليا ممن طالت بطالتهم والدكاترة الباحثون.
تنظيم عقود الشغل بين القاعدة والاستثناء
يتمثل أهم إجراء جاء به القانون الصادر في الرائد الرسمي يوم 23 ماي 2025 في الإقرار بأن العقد غير معين المدة هو القاعدة وأن العقد معين المدة هو الاستثناء. وتم تحديد الحالات التي يمكن فيها إبرام عقد شغل معين المدة وهي القيام بأعمال استوجبتها زيادة غير عادية في حجم الخدمات أو الأشغال أو التعويض الوقتي لأجير قار متغيب أو توقف تنفيذ عقد شغله أو القيام بأعمال موسمية أو بأنشطة أخرى لا يمكن اللجوء فيها إلى عقود لمدة غير معينة. وهكذا كرس هذا التنقيح ما نص عليه الدستور من مساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات.
منع المناولة
جاء في نص هذا القانون منع المناولة التي كانت تقوم بمقتضاها مؤسسة بإجارة اليد العاملة لفائدة مؤسسة أخرى وهو ما مثل شكلا من أشكال النخاسة والاتجار بالبشر. وفي المقابل أحدث القانون عقود إسداء الخدمات أو القيام بأشغال بين مؤسسات مسدية ومؤسسات مستفيدة مُحدّدا لها ثلاثة شروط وهي تتطلب معارف مهنية أو مهارات فنية لا تتعلق بالنشاط الأساسي والدائم للمؤسسة المستفيدة .
وسعيا إلى تجنب أي لبس في التطبيق تم التنصيص صراحة على اعتبار نشاط الحراسة والتنظيف مناولة يد عاملة بما يعني تجريمها مكرسا بذلك ما نص عليه الدستور في الفصل 46 من حق كل مواطن ومواطنة في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل.
إجراءات انتقالية
يندرج التنصيص ضمن القانون على بعض الإجراءات الانتقالية في إطار الحرص على ضمان حقوق الأجراء الذين تضرروا جراء تشغيلهم في ظروف غير لائقة من ناحية وعلى مساعدة المؤسسات على التأقلم مع التشريع الجديد وتوفير ظروف العمل اللائق من ناحية أخرى. ومن بين هذه الإجراءات تحويل العقود معينة المدة التي كانت مبرمة في غير الحالات الاستثنائية المذكورة إلى عقود غير معينة المدة بصفة آلية وترسيم الأعوان الذين كانوا مستخدمين في إطار المناولة لدى الشركات المستفيدة وترسيم الأعوان الذين كانوا بصفة مستخدمين بصفة دائمة في الدواوين والمؤسسات العمومية.
البعد الاجتماعي في خدمة البعد الاقتصادي
من شأن الإجراءات الاجتماعية التي أقرتها الدولة في السنوات الثلاث الماضية وآخرها تنقيح مجلة الشغل دفع النمو الاقتصادي ذلك أن توفير الاستقرار والطمأنينة للأجراء وحفظ حقوقهم وإنصافهم يُحفزّهم على البذل والعطاء وتقوية روح الانتماء للمؤسسة. لذلك فإن كافة أطراف الإنتاج مؤجرين وأجراء مدعوون اليوم إلى التعاون والحرص معا على التوفيق بين حماية الحقوق الأساسية للأجراء ومتطلّبات حفز الاستثمار والمحافظة على ديمومة المؤسسة.
إنّ غدا لناظره قريب
بهذه الموجات الإيجابية ختم رئيس الدولة قيس سعيّد كلمته في اجتماع مجلس الوزراء يوم 23 ماي 2025 واعدا بإدخال الفرحة على بقية القطاعات مثلما دخلت على عشرات الآلاف من ضحايا المناولة مشيدا بالتناغم والتكامل بين الوظيفتين التشريعية والتنفيذية النابعتين من نفس الإرادة الشعبية.
ولئن كانت هذه الإنجازات الرائدة مطلبا من المطالب الاجتماعية التي نادت بها العديد من القوى الوطنية منذ عدة سنوات بل وسقط من أجلها شهداء فإنها لم تكن لتتحقق وتتجسد في قوانين وإجراءات ملموسة لو لم تكن هناك إرادة سياسة قادها رئيس الجمهورية قيس سعيد بكل عزم وجرأة لحفظ كرامة التونسيين رافعا شعار الاعتماد على الذات ورفض الارتهان للأجنبي وتدعيم السيادة الوطنية.
وهي أيضا تجسيد للثورة التشريعية التي نادى بها رئيس الدولة قيس سعيّد وتجد طريقها للتنفيذ بفضل جهاز إداري منخرط تمام الانخراط في معركة التحرر الوطني.