الباحثان التونسيان خالدة مدوي وحمدي دوكالي: الترجمة تعزز قدرات الطفل المعرفية والوجدانية

أجمع الباحثان التونسيان بجامعة منوبة الدكتورة خالدة مدوي والدكتور حمدي دوكالي على أن الترجمة تعدّ أداة شاملة تساهم في بناء القدرات المعرفية والوجدانية والثقافية لدى الطفل وفي صقل شخصيته وهويته الاجتماعية، شريطة أن تُمارس في إطار متوازن يدمج بين الخبرة الإنسانية والتقنيات الرقمية.
جاء ذلك خلال مشاركتهما الجلسة الأولى من أشغال الندوة الدولية "الترجمة وبناء الطفولة" التي ترأسها الأستاذ بجامعة المنار تونس راشد خليفة، وينظمها معهد تونس للترجمة على مدى اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر وغدا الأربعاء 1 أكتوبر 2025. وقد قدم الجامعيات ورقة بحثية مشتركة تناولت بالدراسة والتحليل أثر الترجمة في النمو النفسي والمعرفي والعاطفي للأطفال من منظور بسيكولوجي معاصر.
وأوضحت الدكتورة خالدة مدوي أن الترجمة لا تُختزل في كونها نشاطا لغويا وإنما هي تمثل أداة تربوية ومعرفية تسهم في تطوير الوظائف الذهنية العليا للطفل على غرار التفكير المجرد. واستعرضت في هذا السياق الأطر النظرية في علم نفس النمو خاصة نظرية "جان بياجيه" حول الاستيعاب والملاءمة، مؤكدة أن الانخراط المبكر في الترجمة يعزز قدرات الأطفال ثنائيي أو متعددي اللغة على التكيف، ويوسع من أفقهم المعرفي والثقافي. كما أشارت إلى أن الترجمة تترك بصمة في تشكيل الشخصية والذكاء العاطفي لاسيما لدى أبناء المهاجرين الذين يكلّفون بمهمات الترجمة لأسرهم في الحياة اليومية.
ومن جانبه، ركز الدكتور حمدي دوكالي على البعد الوجداني للترجمة، مبرزا أن الطفل الذي يضطلع بدور "المترجم العائلي" يكتسب مهارات عالية في التعاطف وتحمل المسؤولية، لكنه قد يتعرض في المقابل لضغط نفسي بسبب تحمّل أعباء تفوق سنّه خاصة حين يتعلق الأمر بترجمة وثائق أو مواقف متشابكة تفوق عمره. وأكد أن الموازنة بين التمكين والضغط ضرورية لحماية التوازن النفسي للأطفال.
كما توقف عند دور التكنولوجيا الحديثة في تعزيز تعلم اللغات والترجمة لدى الناشئة، مبيّنا أن تطبيقات مثل "غوغل للترجمة" توفر للأطفال فرصا للتجريب اللغوي واختبار المعاني، لكنها تظل قاصرة أمام التعابير الثقافية الدقيقة مما يستدعي حضور التوجيه البشري لضمان تنمية التفكير النقدي والوعي الثقافي.
وتتواصل المداخلات العلمية الخاصة بأشغال هذه الندوة الدولية حول "الترجمة وبناء الطفولة"، ببرمجة ثلاث جلسات أخرى تتمحور حول علاقة الترجمة بتنمية قدرات الأطفال وانفتاحهم على الثقافات الأخرى ورهانات ترجمة الأعمال الأدبية المخصصة للأطفال، " بين التبعية والإبداع"، و"الوساطة الحضارية للترجمة في أدب الطفل الرهانات والحدود"، و "اكتساب فن الترجمة مع الأطفال في عصر العالمية"، و"إسهامات أدب الطفل المترجم إلى اللغة العربية في ترسيخ القيم الأخلاقية"، و"دور الترجمة في تطوير السلوكات الإبداعية الموسيقية لدى الأطفال"، بالإضافة إلى قراءات في بعض المواد المدرجة في المناهج التربوية، خاصة المرتبطة باللغات الأجنبية.
وتهدف هذه الندوة إلى إبراز دور الترجمة كأداة لبناء الطفولة على أسس معرفية وإنسانية، وتعزيز النقاش الأكاديمي حول موقع الترجمة في التربية والثقافة، وخاصة في مجال أدب الطفل. كما ترمي إلى فتح أفق للتعاون بين المترجمين والباحثين العرب والأجانب لتطوير مشاريع عملية تخدم الطفل والناشئة في مواجهة تحديات العولمة.