مسرحية "جر محراثك فوق عظام الموتى: صيحة فزع ضد التوحش الذي تعيشه الانسانية

مسرحية "جر محراثك فوق عظام الموتى

ضمن عروض المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية في دورتها السادسة والعشرين، من 22 إلى 29 نوفمبر 2025، تابع جمهور الفن الرابع اليوم الأربعاء في قاعة الريو بالعاصمة، العرض الإماراتي "جر محراثك فوق عظام الموتى" للمخرج مهند كريم.

ويشارك في هذا العمل المسرحي المقتبس من رواية "جر محراثك فوق عظام الموتى" للكاتبة البولندية الحائزة على جائزة نوبل للآداب سنة 2018، أولغا توكارتشوك،  كل من التونسية حليمة عيساوي والفلسطيني محمد مشارقة والسوري عبد الله فاتل والإماراتي عبد الله الخديم ، وهي مسرحية تم إنتاجها بدعم من مؤسسة الشارقة للفنون.

هذا العمل الذي يجمع بين العربية الفصحى واللهجة التونسية والشامية وبعض المصطلحات الفرنسية، يطرح التوحش الإنساني وغياب قيم التسامح والعيش المشترك بين الناس فيما بينهم وتجاه الحيوانات أيضا.

وقد اختار صاحب العمل الاعتماد أساسا على أسلوب الترميز من أجل بث رسائل تمس الجوهر الإنساني، ومن أبرز هذه الرسائل الإشارة إلى الإبادة الصهيونية للفلسطينيين.

ولئن انطلق صاحب العمل من رواية "جر محراثك فوق عظام الموتى" التي تدور أحداثها حول جانينا التي تقرر قضاء الشتاء في دراسة علم الفلك وترجمة الشعر في قرية بولندية نائية، أين تحصل عديد جرائم القتل وتنخرط جانينا في التحقيقات لتعثر على الفاعل، وذلك وفقا لما جاء في ترجمة الرواية إلى العربية، حيث تمت الإشارة أيضا إلى كونها "قصة خيالية عميقة محفزة على التفكير لاستكشاف الحدود الفاصلة بين صحة العقل والجنون وبين العدالة والعرف والتقليد وبين التحكم بالمصير والقدر"، إلا أن المسرحية تستقي عمقها أيضا من البحث التاريخي البارز في العمل سواء على مستوى المصطلحات المستخدمة أو على مستوى الرمزيات التاريخية.

هذا العمل الذي ينقسم إلى خمسة فصول، يضم أيضا خمس شخصيات رئيسية فتاة وثلاثة رجال وغزال، وتنطلق أحداثه من جريمة قتل ابن الجنرال الحاكم في المنطقة، ثم مقتل ابنه الثاني، لتبدأ مع هذه الجريمة حرب "إبادة" يقودها الجنرال بجيشه تجاه الحيوانات ثأرا لابنيه، ويقوم العمل على الحوارات الثنائية خاصة أين يستخدم البطل إسماعيل في حواره مع البطلة ليلى معجما لغويا له رمزيات تاريخية وواقعية إنسانية من ذلك "معسكرات الإبادة" التي يمكن أن تحيل على حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وغيره من المصطلحات ذات الرمزية الكبيرة لتبيان مدى توحش الإنسان حين يمكر بأخيه الإنسان فيشن الحروب ويقتل في سبيل السلطة والتجبر والثأر.

يبين العمل جدية كبيرة في الاشتغال على النص بعد الاقتباس فمن ضمن العبارات المُستخدمة أيضا، مصطلح "كوكب القردة" الذي يعود على الفيلم الهوليودي الشهير "كوكب القردة Planet of the Apes"، الذي تم إنتاجه في  عديد الأجزاء ويتحدث عن كوكب تحكمه القردة ويُستعبد فيه البشر.

ولتمرير هذه الرسائل وظف المخرج تقنيات مبهرة، حيث اشتغل بعديد التقنيات الهامة من ذلك "الستار الشفاف" الذي يقسم فضاء العرض إلى قسمين يتحرك فيهما الفنانون في الوقت ذاته فيجسد في مرحلة ما غرفتين وفي مرحلة أخرى حدثين متوازيين في الزمن، وجاء توظيف الديكور ليخدم فكرة العمل.

ومن التقنيات البارزة في العرض، الكوريغرافيا، التي تميز فيها مؤدي دور "الغزال" حيث قدم لوحات راقصة محترفة ومكملة لأداء بقية الممثلين وخطاباتهم فجسد المعركة بين الإنسان والحيوان وأيضا الشيطان الكامن في الإنسان.

وجاءت المؤثرات الصوتية لتساهم في تبليغ فكرة العمل، حيث راوحت بين الترنيمات الدينية والموسيقى، فضلا عن استخدام صور وفيديوهات تؤيد طرحه فاحتوت الفيديوهات على مشاهد مذابح وجرائم بشرية تجاه الحيوانات، أما الصور فقد تضمنت مقتطفات من كتب تساهم في التأصيل التاريخي للحروب التي عاشت على وقعها البشرية، من ذلك مقتطف من كتاب "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" للمؤرخ المصري ابن تغري بردي عن أحداث سنة 1064، ويروي كيف أكل بعض الناس لحوم البشر من الجوع.

لئن حمل الخطاب في المسرحية العديد من الإشارات التي ترمز للإنسان وتوحشه تجاه أخيه والفساد عند بعض البشر وتواصله عبر الزمن من خلال الحديث عن رحيل فاسدين وبروز آخرين ومقاربتهم بالأظافر التي يقصها الإنسان رغم علمه بأنها ستزداد طولا من جديد، إلا أنه حمل أيضا رسائل هامة في علاقة بالعنف المسلط على الحيوان واستخدامه في الاحتياجات التجارية البشرية من ذلك صناعة الأحذية والحقائب وغيرها من الأعمال الصناعية والتجارية التي تضر بالثروة الحيوانية وتؤثر على توازن الطبيعة.

 لم يفتح المخرج في نهاية العمل أبواب الأمل في غد أفضل بل قدم خطابات وأحداث تُحيل على استمرار الدمار داخل العالم من ذلك قول إسماعيل "سيستمر القتل حتى تفنى أخر نفس تتذكر المذبحة"، حتى أن البطلة "ليلى" تكتشف في النهاية أن هذا الذي كان يتلو عليها خطابات رافضة للعنف ضد الحيوان وتوحش البشر، قد أكل لحم إنسان مثله وكأن العمل يمثل عودة على تاريخ التوحش البشري وصرخة فزع ضد ما تعيشه الإنسانية من انهيار قيمي وتوحش تعكسه الحروب والاستعمار وتخلي بعض القوى "المحايدة" عن معاضدة الشعوب المقهورة.

شارك:

إشترك الأن

تونس

11° - 13°
الخميس13°
الجمعة15°
الاذاعة الوطنية
عيش الموزيكا
على اجنحة الليل
 إذاعة الزيتونة
حروف و ظلال
إذاعة القصرين
عيش الموزيكا

عيش الموزيكا

20:30 - 00:00

ON AIR
الاذاعة الوطنية
عيش الموزيكا
على اجنحة الليل
 إذاعة الزيتونة
حروف و ظلال
إذاعة القصرين