أيام قرطاج المسرحية 2025: المخرجة الفلسطينية شادن أبو العسل تعيد رسم التجربة الفلسطينية تحت الحصار في عرض "ريش"

أيام قرطاج المسرحية 2025

قدّمت فرقة شادن للرقص المعاصر من فلسطين عرضها "ريش" في قاعة الفن الرابع بتونس العاصمة ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة السادسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية (22 - 29 نوفمبر 2025). وعلى الرغم من غياب النص المنطوق، فإن العمل نجح في بناء خطاب بصري وحركي متكامل يرتكز على لغة الجسد بوصفه أداة سردية قادرة على طرح أسئلة وجودية حول جدلية الحرية والسلطة.

 

واختارت مخرجة العرض الفنانة الكوريغرافية شادن أبو  العسل الرقص المعاصر لغة أساسية للتعبير في هذا العرض. وقد تحول الجسد إلى محور مركزي في صياغة المعنى وله وظيفة درامية إذ ارتكزت العلاقات بين الشخصيات على جملة من الثنائيات المتباينة هي الاقتراب والتباعد والتنافر والتماهي، هو ما سمح بقراءة واضحة لمسارات التحول النفسي والوجداني التي يعيشها كل كائن على الركح. وأوجدت شادن أبو العسل من خلال هذه الميزة الفنية مشاهد قائمة على التوتر وخلقت نسقا دراميا ذا منحى تصاعديا من دون اعتماد على أي وسيلة لغوية منطوقة.

 

واستند العمل على سينوغرافيا بصرية مشبعة بالرموز والدلالات، حيث خيم اللون الأزرق على الركح ليجعل منه فضاء داكنا سمته الجمود والانغلاق حتى بدا لو أنه سجن، فكان ترجمة لبواطن الشخصيات الراقصة وعبّر بوضوح عما يخالجها من حصار داخلي وتمزق نفسي وقيود كبّلتها وحالت دون تحقيقها للمعنى وهو الحرية في أسمى معانيها الكونية. ولعبت بعض عناصر الديكور وظائف دلالية في العرض على غرار المكتبة التي وظفتها المخرجة بإحكام للتعبير عن قيم المعرفة والثقافة والتي بدت في آن واحد مصدرا للتنوير وعبئا يطغى على المكان عندما يتحول المثقف إلى أداة في يد السلطة. وتتداخل هذه العناصر مع أداء الراقصين لتكوين صورة مركبة حول علاقة الإنسان بما يثقفه وبما يقيّده وأيضا بما يحلم بالتحرر منه.

 

وقام هذا العرض الكوريغرافي "ريش" على شخصيات تتشابك بينها علاقة تنمو تدريجيا من التوازن النسبي إلى الاختلال. ويتجلى في العمل صراع داخلي بين التسلط والاستلاب، حيث يظهر أحد الكائنات مستلبا لإرادة الآخر دون وعي بحدود استعباده لنفسه. وهذا البناء الدرامي الحركي سمح بتجسيد الميكانيزمات الدقيقة التي حولت الحب إلى تبعية والارتباط إلى قيد تمهيدا لانفجار داخلي يغير طبيعة العلاقة داخل المجموعة. وهذا ما يحمله العنوان "ريش" في أبعاده ومقاصده التي تتناغم مع العمل على مستوى الشكل والمضمون. فالريش يرمز إلى الحرية والخفة وإلى القدرة على الطيران والتحرر من القيود، بما يعكس رغبة الشخصيات في الانعتاق من سلطة قاهرة تؤثر في حياتهم وعواطفهم. وفي الوقت ذاته، يدل الريش على الهشاشة والضعف إذ يمكن لأي قوة خارجية أن تغير مساره وهو ما يتوافق مع وضع الكائن مستلب الحرية الذي لا يدرك استلابه الذاتي إلا حين تتدخل مؤثرات خارجية. كما يشير العنوان إلى التحرر والانعتاق، فالريش جزء من الطائر والطائر رمز للتحليق والحرية.

 

واستنادا إلى هذه الرمزية الدالة على جدلية السلطة والحرية، تتمحور القضايا الأساسية في "ريش" حول سؤال الحرية، إذ يقدم العرض قراءة ضمنية لطبيعة الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى المجتمعية بما هي سلطة غير مباشرة تنشأ من داخل الفرد نفسه حين يتماهى مع قيده أو يبرر تبعيته أو يتواطأ مع استلابه باسم الحب أو الحماية أو الانتماء، وهو ما يمكن تفسيره ضمن خانة الاضطهاد والحرمان والقمع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي. كما يطرح العمل تساؤلات حول العلاقة بين المعرفة والهيمنة من خلال حضور المكتبة الضخمة التي تبدو كأنها ذاكرة جماعية تفرض معاييرها وقيمها على الشخصيات.

 

ورغم الطابعه التجريدي والرمزي للعرض "ريش" وقضاياه الإنسانية الكونية، فإنه لم ينفصل عن الواقع الفلسطيني، وإنما كان أيضا مرآة لتجربة شعب يعيش في قيود مستمرة منها قيود الجغرافيا وقيود الهوية وقيود التاريخ والثقافة التي يعمل الاحتلال على طمسها. وقد جاء "ريش" ثقيلا جدا بالرموز والدلالات ليكون وثيقة شاهدة على أرض مسلوبة وشعب محاصر ومضطهد، لكن نور المقاومة لم يأفل وظل مستمرا رقم القيود.

شارك:

إشترك الأن

تونس

10° - 15°
الجمعة15°
السبت18°
يوم سعيد
El matinale jeunes مع سامي فرتونة
أغاني لحياة
أحلى صباح
منوعة صباح الخير
نسائم الصباح
ورود الصباح
إذاعة القصرين
El matinale jeunes مع سامي فرتونة

El matinale jeunes مع سامي فرتونة

06:30 - 10:00

ON AIR
يوم سعيد
El matinale jeunes مع سامي فرتونة
أغاني لحياة
أحلى صباح
منوعة صباح الخير
نسائم الصباح
ورود الصباح
إذاعة القصرين